البروتوكول الخامس
إ
نشاء حكومة مركزية ضخمة – وسائل القبض على أزمّة السلطة بواسطة الماسونية – الأسباب التي من أجلها يستحيل وقوع الاتفاق بين الدول – دولة اليهود التي تقوم عن سابق اختيار من الله – الذهب: هو من الدول كالمحرّك من الأجهزة الآلية – ما للانتقاد والتجريح من بالغ التأثير في التهديم والتقويض – إقامة "المَعَارض" فتنة في مظاهرها – ما لصناعة "غزل الكلام" من تأثير في التفتيت – كيف يُقبض على أعنّة الرأي العام – أهمية نشاط الفرد – الحكومة العليا في العالم
ما هو شكل الحكم الإداري الذي ينبغي أن يُعطي إلى جماعات قد استشرى فيها الفساد، وتغلغل في كل جنباتها؟ جماعات، المال لا يدور فيها إلا بوسائل أشبه بالاحتيال، وهو أقرب إلى الاختلاس، مجتمعها مسترخي الزمام، منحلّ الضابط، الآداب العامة فيه لا تُحفظ إلا بأن يكون قانون العقوبات متسلطاً فوق الرؤوس، والتدابير الصارمة على طرف الثمام، ولا رعاية للأخلاق طوعاً من وازع النفوس، إذ هنا الشعور نحو الدين ومسقط الرأس قد محته معتقدات مستبضعة من أسواق عالمية. وأيُّ شكل من الحكم ينبغي أن يطبَّق على هذه الجماعات سوى الحكم المطلق الذي سأصفه لكم؟ فإننا سننشئ نظاماً ضخماً لحكومة مركزية واسعة، حتى يتسنى لنا القبض بأيدينا على جميع الأعنَّة. وسنضبط ضبطاً محكاً مسارب نشاط الحياة السياسة لرعايانا بقوانين جديدة لم يعرف مثلها من قبل. ومن شأن هذه القوانين أن تزيل كل الإباحيات والحريات المطلقة مما أجازه الغوييم لنفوسهم، وبهذا ستتميز مملكتنا بسلطة مطلقة فريدة، رائعة الأوضاع والتقاسيم، وعلى استعداد في أي زمان ومكان لأن تجرف أيَّا كان من جنس الغوييم ممن يعارضنا لفعل أو قول.
وسيقال لنا أن هذه السلطة المطلقة لا تتمشى وتقدم هذا العصر الذي نعيش فيه، ولكني أبرهن لكم على أنها تتمشى ولا غبار عليها.
ففي الزمن الغابر، لمَّا كانت الشعوب تنظر إلى الملوك المتبوئة العروش، كأنها تنظر إلى من تجلت فيه إرادة الله، كانت تلك الشعوب وقتئذٍ خاضعة للسلطة المطلقة التي للملوك، بلا مناقشة ولا حراك. لكن منذ أخذنا نحن نُشرِب عقول الشعوب عقيدة أنَّ لهم حقوقاً، شرعوا تعتبرون الجالسين على الأرائك بشراً وقوماً عاديين يأتي عليهم الفناء كسائر الناس. والزيت المقدس الذي مُسِحَ به رأس الملك الذي هو ظل الله على الأرض، زيتٌ عادي غير مقدس في عيون الشعب، ولما سلبناهم إيمانهم بالله، فإذا بجبروت السلطة يُرمي به إلى الشوارع حيث حق التملك هو حق الجمهور، فاقتنصناه نحن.
وفوق ذلك، فإن فن توجيه الجماهير والأفراد بوسائل تُتقِن إلقاءَ النظريات وإشباعها بكثرة الكلام حولها، مما يرمي إلى ضبط مدار الحياة المشتركة بهذا وغيره من الحيل التي لا يعرف الغوييم من اكتناه أسرارها شيئاً - إن هذا الفن، عندنا نحن أربابه الاختصاصيون الذين تلقّوا أصوله من ينابيع أدمغتنا الإدارية، فهؤلاء الاختصاصيون قد نشأوا على التمرس بالتحليل والملاحظة، ومعاناة حصر الدقائق في القضايا الحساسة الرفيعة، وفي هذا المضمار ليس لنا ندّ ولا نظير في رسم المخططات للنشاط السياسي ومعالجة المسؤوليات. وفي هذا المجال لا يضاهينا أحدٌ إلا الجزويت، لكننا نحن قد ابتدعنا من الطرق ما يصلح لإسقاط هيبتهم عند الدهماء وسواد الناس الذين لا يفكرون إلا سطحياً، وإنما تمكنا من الجزويت لأن مؤسستهم مكشوفة، بينما نحن استطعنا أن نبقي أجهزتنا السرية مغطاة محجوبة كل الوقت. وعلى كلٍّ، فالعالم قد لا يبالي شيئاً بمن يتبوأ عرشه، أهو رأس الكثلكة أم المتسلط الذي يَظهر منا منحدّراً بدمه من صهيون! هذا من جهة العالم، أما من جهتنا نحن فهذا الأمر يهمنا جداً، فإننا الشعب المختار، والمسألة تقتضي منا كل المبالاة.
وإذا قام في وجهنا غوييم العالم جميعاً، متألبين علينا، فيجوز أن تكون لهم الغلبة، لكن مؤقتاً. ولا خطر علينا من هذا، لأنهم هم في نزاع فيما بينهم، وجذور النزاع عميقة جداً إلى حد يمنع اجتماعهم علينا يداً واحدة، أضف إلى هذا أننا قد فتنّا بعضهم ببعض بالأمور الشخصية والشؤون القومية لكل منهم. وهذا ما عنينا بديمومته عليهم وتنميته مع الأيام خلال العشرين قرناً الأخيرة، وهذا السبب الذي من أجله لا ترى دولةً واحدة تستطيع أن بجدَ عوناً لها إذا قامت في وجهنا بالسلاح، إذ كل واحدة من هذه الدول لا تنسى أن تعلم أن الاصطفاف ضدنا يجرّها إلى الخسارة. إننا جد أقوياء، ولا يتجاهلنا أحد، ولا تستطيع الأمم أن تبرم إي اتفاق مهما يكن غير ذي بال، إلا إذا كان لنا فيه يد خفية.
مني يستمد الملوك سلطتهم.
وجاء على لسان الأنبياء أننا نحن اختارنا لله لنحكم الأرض كلها. والله منحنا العبقرية لنضطلع بهذا العبء. ولو كانت العبقرية في المعسكر الآخر لبقيت حتى اليوم تناهضنا. وإذا جاءنا قادمٌ فلن يكون لنا ندّاً، ونحن من قبلُ أثبت قدماً، والمعركة إذا وقعت فستكون ضارية بيننا وبينه على ما لم ير العالم له مثيلاً في عهد مضى. وإذا افترضنا أن فيهم موهبة العبقرية (الغوييم) فقد جاءتهم متأخرة جداً. وكل دواليب الأجهزة للحكومات تحتاج إلى محرّك، وهذا المحرك بأيدينا وهو "الذهب"، وقد كان من شأن علم الاقتصاد السياسي أن رفع من شأن رأس المال، ومعلوم أن وَضع هذا العلم وتقريره يعود الفضل في ذلك إلينا.
ورأس المال، إذا كان يراد به أن يساهم بالتعاون وهو غير مقيد، فيجب أن يكون حراً طليقاً، ليتمكن من إنشاء الاحتكار في الصناعة والتجارة، وهذا ما قد صنعته يد خفيّة في جميع العالم. ومن شأن هذه الحرية لرأس المال أن تُمِدّ الذين يعملون في الصناعة بالطاقة السياسية، وهذا يؤول إلى التمكن من أخذ الشعوب بالضبط والمقادة. وفي أيامنا هذه، بكون الأمر أهم وأوزن لدينا، إذا عملنا على أن ننزع سلاح الشعوب لا أن نسوقها إلى الحرب، بل وأعظم من ذلك لنا، أن نستغلَّ لمصالحنا انفعالَهَا العاطفي المشتعل، بدلاً من إطفائه، وأن نستولي على تيار الأفكار والآراء، ونترجمه على ما يناسبنا بدلاً من مكافحته ومحاولة استئصاله. فالغرض الرئيسي لقيادتنا هذه قاعدته: أن نُخمِل الذهن العام ونَضنِيه بالنقد والتجريح، وأن نَحِيد به عن طريق التفكير الجدّي الرصين، التفكير الذي يؤدي بالنهاية إلى مقاومتنا، وأن نصرف نشاط الأذهان عن تلك الوجهة ونأخذ بها حيث تقام معارك صورية، سلاحها الخطابة ومصطنع البيان.
وفي جميع العصور نرى شعوب العالم، من جماعات وأفراد، تنام على الكلمة التي تسمعها ثم لا يهمها بعد ذلك من التنفيذ شيء. وعلة هذا في تلك الشعوب أنها تقنع من الشيء بمظهره، وتأخذها صورة العَرَض، وقلما تتوقف لتتأمل، وتلاحظ في مجرى الحلبة العامة، هل تقرن الوعود بالتنفيذ. لذلك تروننا أننا سنعني بإقامة مؤسسات المعارض التي تفيدنا في هذا الباب فوائد كبيرة.
وسننتحل لأنفسنا الصفة الليبرالية التي تجمع سمات جميع الأحزاب والجهات، ثم نجعل معاني ذلك كله تجري على ألسنة خطباء إذا تكلموا راحوا يُشبِعون الموضوع ويدورون من حوله حتى يملَّ السامعون ويضجروا، ويأخذوا بالضجيج.
ولكي يتسنى لنا الاستيلاء على الرأي العام يجب علينا أن نرميه بما يحيّره ويخرجه عن طوقه، وذلك عن طريق جَعل إبداء الرأي العام حقّاً شائعاً مفتوح الباب للجميع، ليلقي كلٌ بدلوه في الدلاء. فتتناقض الآراء ويشتدّ التشاحن، ويطول الحال والمقال، والناس في كل ذلك متضاربو النزعة، ثم يُنادي منادٍ: إنَّ أولى ما يُصنع للخروج من هذا المأزق الحرج، أن يترك النقاش ويقلع عنه، ولا خوض في القضايا السياسية لأن جمهور العامة لا يفقه من لباب هذا شيئاً ولا يحسن وعيه، فمن الصواب أن مثل هذه الشؤون تُردُّ إلى المسؤولين العارفين بها، يتدبرونها على ما يرون. هذا هو السر الأول.
والسر الثاني المشترط لنجاح حكومتنا المقبلة هو هذا: نكثر من مصنوعات الأشياء، شتى متنوعة، ونجعلها تَرِدُ موارد غزيرةً فياضةً من كل جنس: الفشل في المشروعات الوطنية، إفشاء العادات الجديدة، إيقاد العواطف، الاستثارة والاستفزاز، التبرم من شؤون الحياة، وذلك لكه حتى يغدو من المستحيل على أيّ شخصٍ أن يعلم أين هو من هذا المعترك الذي خاض فيه كل حابلٍ ونابل، وعَمِىَ الاختلاط. وإذا بالناس قد استغرقتهم البلبلة، ولا يفهم بعضهم بعضاً. وهذه الطريقة تفيدنا أيضاً من ناحية أخرى: الإفساد بين الأحزاب، وتفريق القوى المجتمعة على غرض ولا تزال تأبى الانصياع لنا، وأخيراً عرقلة نشاط أي شخصٍ يقف في طريقنا. وليس هناك ما هو أضرّ من نشاط الأفراد بصفتهم المستقلة الشخصية، فهؤلاء، إذا كان وراءهم مادة العبقرية، فيبلغ نشاطهم من الضرر بنا مبلغاً تقصر عنه الملايين من الناس الذين مزقنا كلمتهم. وعلينا أن نعني بتوجيه التعليم في مدارس جماعات الغوييم توجيهاً دقيقاً، فَيُلقَى في الأذهان أنه متى ما جيء على مسألة عويصة تحتاج إلى كدّ الذهن تنقيباً واجتهاداً، فالأولى تركها واجتيازها إلى ما هو أهون منها وأيسر، فيتولاها من هو أهلٌ لها. والضنى الفكري الذي يحصل للفرد من كثرة حرية العمل، ينسف ما فيه من القوى الذهنية عندما تصادم حريته حرية شخص آخر. وينشأ عن هذا الاصطدام رجَّاتٌ خلقيةٌ نفسيةٌ عنيفة، وذهول، وشعور بالفشل. وبهذه الذرائع كلها، سنفتّت وجود الغوييم، حتى يُكرَهوا على أن يسلّموا لنا ما به تقوم القوة الدولية في العالم على أوضاع تمكننا بلا عنف، ورويداً رويداً من أن نبتلع طاقات الدول، ثم نخطو بعد ذلك إلى الأمام فننشئ الحكومة العالمية العليا، وسيكون لهذه الإدارة عون واسع من الأيادي التي تمتدُّ إلى البلدان كلها وتعلق بها كالكماشة. وأما أجهزة هذه الإدارة فستكون بالغة العظمة حتى تلقي ظلها على جميع أمم الأرض.
وانتظزرونا الاسبوع القادم باذن الله .......