أنت لا تعيشين في الدنيا وحدك، بل هناك أشخاص كثيرون حولك تشكل معهم مجتمعك الذي
تعيشين فيه، ولا شك أن احتكاكك بالناس سيتولد منه بعض
التصادمات، في
الآراء... في الأخلاق... في الطباع والعادات... أو نتيجة سوء فهم منك أو من الطرف
الآخر... أو ربما توضع رغما عنك في موقف تكرهه ! وهذه كلها
أمور عادية...
أكرر عادية ! تفرضها علينا طبيعة التجمع البشري فأنت تعلم أن النبي صلى الله عليه
وسلم، قال: "إن الشيطان يجري في ابن آدم مجرى الدم في
العروق" .
فلا
بد أن توطن نفسك على مواجهة مثل هذه المواقف وتحملها... نعم تحملها، وكيف نفسك على
التحكم والسيطرة على انفعالاتك حسب ما يمليه عليك دينك،
ثم توج ذلك كله
بالعفو... العفو... العفو... ستفعل ذلك لأن بروق الإيمان تسطع في قلبك
بقوة...
-عمرك كله تدع الله أن يغفر لك.. لقد أتتك المغفرة فلا تردها!.. قال
الله تعالى: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ
لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (النور:22). فاصفح
أخي رجاء أن يغفر لك
الغفور الرحيم...
- افعل ذلك لوجه الله... واقهر أول أعدائك الشيطان... فإن
عفوك عمن أساء إليك يؤلمه أشد الإيلام لما يترتب على فعلك هذا من الأجر العظيم
جداً... جداً. قال
الله تعالى: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى
اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} (الشورى: 40).
يا إلهي!... هل
تدرك معنى {فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}؟...
إن أجرك لن يأتيك من وزير... ولا
من أمير... ولا حتى من ملك مطاع !
بل سيأتيك من ملك الملوك سبحانه... فماذا
تريد أفضل من ذلك؟ ! وقد تكفل الله بأجرك وضمنه لك!...
- العفو هو طريقك
إلى.. "الحظ العظيم " ..
قال الله تعالى: {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ
وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ
وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا
الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو
حَظٍّ عَظِيمٍ} (فصلت:
34-35). "أي ادفع السيئة إذا جاءتك من المسيء بأحسن ما يمكن دفعهاً به الحسنات ومنه
مقابلة الإساءة بالإحسان والذنب بالعفو، والغضب
بالصبر، والإغضاء عن
الهفوات، والاحتمال للمكروهات.
- احتسب ثواب الإقتداء بالله سبحانه، والعفو
صفة من صفات الله وهو الذي يتجاوز عن المعاصي، وحظ العبد من ذلك لا يخفى وهو أن
يعفو عن كل من ظلمه بل
يحسن إليه كما يرى الله محسنا في الدنيا إلى العصاة
غير معاجل لهم بالعقوبة. قال الله تعالى: {إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ
أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا
قَدِيرًا}
(النساء:149). "{فَإِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوًّا} عن عباده
{قَدِيرًا} على الانتقام منهم بما كسبت أيديهم فاقتدوا به سبحانه فإنه يعفو مع
القدرة.
- أجر الإقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، والأنبياء جميعاً في
عفوهم عمن ظلموهم وأساءوا إليهم مع قدرتهم عليهم... فهؤلاء خيرة البشر يتركون
العقوبة لوجه
الله!... فمن نحن حتى نتعالى عن العفو ونعتبره ذلة ومهانة في
حقنا ؟!.. طبعا هذا إذا كان العفو في مكانه المناسب.
- احتسب بعفوك عن
المسلمين أن تكون ممن يدرءون بالحسنة السيئة لتنال جنات عدن، قال الله تعالى:
{وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ
وَأَنفَقُواْ مِمَّا
رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ
بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ
عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ
وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم
مِّن كُلِّ بَابٍ
(23) سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ}
(الرعد:21-24).